السبعينيات في الذاكرة الشخصية : تراث زاخر بمعاني التضحية وقيم الحق

-sur-70.jpg

نظم فرع اتحاد كتاب المغرب بالجديدة بتعاون مع مكتبة مؤسسة عبد الواحد القادري مائدة مستديرة في موضوع « السبعينيات في الذاكرة الشخصية، تجارب ومسارات » وذلك يوم الجمعة 29 نونبر 2013 بمقر المؤسسة المذكورة.

ومعلوم أن مرحلة السبعينيات من القرن الماضي شكلت انعطافة دقيقة في تاريخ المغرب المعاصر. تجلت تلك الانعطافة في التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية التي ميزت هذه المرحلة المرجعية التي بدأت زمنيا من نهاية الستينيات وامتدت إلى الثمانينيات. وبغاية تقريب الجيل الحالي من هذه المرحلة، دعا فرع الاتحاد ثلة من الكتاب والباحثين والفاعلين الجمعويين لتقديم تجربتهم الشخصية عن تلك الفترة كما عاشوها وخبروها.

-sur-70.jpg

في بداية اللقاء قدم مسير الجلسة، الناقد الحبيب الدايم ربي، وجهة نظره في الموضوع داعيا إلى الاستفادة من تلك المرحلة الغنية بالأسماء والأحداث والتفاعل الإيجابي مع تراثها الزاخر بمعاني التضحية وقيم الحق. مذكرا ببعض الكتابات التاريخية والسردية التي حاولت التوثيق لهذه المرحلة ففضلا عما سجله رجال السياسة في مذكراتهم فهناك فاعلون أساسيون سجلوا سيرهم ومحكياتهم المليئة بالجراح( جواد مديدش، الفاكهاني، الوديع الاسفي، ماحي بنبين، عبد اللطيف اللعبي، عبد القادر الشاوي…).

وأعطيت الكلمة للفاعل الجمعوي ذ. أحمد لعيوني الذي قدم شهادة ذات طابع بانورامي حول تلك الحقبة كما عاشها تلميذا داخليا بالدار البيضاء ثم طالبا بكلية الحقوق بالرباط إلى جانب زملاء له في الفصل مثل إدريس لشكر ومحمد الساسي ومحمد العمراني مشيرا إلى ما ميز الفترة من توترات على مستوى الجامعة والوطن والمنطقة العربية ككل. ولم يفت المتدخل أن يقف عند حماس شباب تلك الفترة ومعانقته للفكر الحداثي والتحرري.

وتناول الكلمة ذ. عبد الرحيم منياوي الذي قدم المحطات الأساسية في تجربته كتلميذ في الثانوي لدى أدموند عمران المالح ثم كطالب بجامعة فاس ثم أستاذا بمدينة خريبكة في نفس المؤسسة مع إدريس الناقوري. وكان المتدخل شاهدا على عملية اعتقال زميله في العمل المرحوم عبد الفتاح فاكهاني. بعد ذلك سيلتحق ذ. منياوي بثانوية مولاي عبد الله بالدار البيضاء حيث سيلتقي هناك بباحثين وكتاب معروفين مثل ملوك، محمد الواقيدي، أحمد سالم لطافي، أحمد المتمسك، سليم رضوان ومحمد العيادي. هذا الرعيل قال عنه الشاهد، إنه كان بمثابة نواة للعمل الثقافي والسياسي في إطار الاتحاد المغربي للشغل. وتحدث المتدخل عن محاولة الاغتيال بالسلاح الأبيض التي تعرض لها سنة 1974 أمام باب الثانوية والتي أدت به إلى البقاء في المستشفى لمدة فاقت الشهر، مشيرا بأنه بعدها بسنة سيتم اغتيال عمر بنجلون من طرف نفس العصابة. وختم المتدخل شهادته نحو الشباب قائلا إنها مرحلة لا يتمنى لأحد أن يعيش مثلها مؤكدا على أن المغرب في نهاية المطاف خرج منتصرا من التجربة خاصة على ضوء ما يجري اليوم في دول المشرق العربي من تدمير وتخريب.

الكاتب حسن بزوي، من جهته، أوضح بأن فترة السبعينيات شهدت حركية استثنائية سياسية وثقافية قادتها ثلة من المناضلين الاستثنائيين. وعرج على تجربته النقابية في تلك الفترة موضحا أن طموحه وأمثاله كان فقط غيرة على المغرب ورغبة في إخراجه من شرنقة الفقر والتخلف. وتأسف في الوقت نفسه على افتقاده لعدد من الأصدقاء الذين غيبوا وقتها في المعتقلات أو بالموت أو الذين عن حسن نية انخرطوا في تنظيمات جذرية ضاربا المثال بالكاتب جواد مديدش واصفا موقفه بالنبيل لأنه وقت اعتقاله كان منسحبا من تنظيم « إلى الأمام » ومع ذلك أدى الثمن غاليا بسبب موقفه المبدئي. ولم يفت حسن بزوي أن يشهد بأن التنظيمات الجذرية في السبعينات كانت تضم إلى جانب مناضلين شرفاء عددا من الدخلاء والمدسوسين الذين انكشفوا فيما بعد.

ووقف الباحث المصطفى اجماهري في كلمته عند ثلاثة عناصر ميزت حركية السبعينيات وهي كونها كانت مدينية ملحوظة في المدن الرئيسية مثل الدار البيضاء والرباط وفاس التي كانت بمثابة عواصم مفتوحة على الحياة والمعرفة وعاجة بالتحولات الاجتماعية والفكرية. والميزة الثانية يقول اجماهري هي الفوران الثقافي والفكري المنقطع النظير لدى التلاميذ والطلبة بفضل أساتذة كانوا قادة فكر لا مجرد موظفين. أما العنصر الثالث فتمثل في هيمنة الفكر الماركسي على الحركة الطلابية وهو ما سبب في خسارتها لأن الطلبة المنحدرين من الطبقات الشعبية والبدوية وإن كان لهم ميل طبيعي نحو اليسار الوطني فإن حساسيتهم ضد الفكر الماركسي البولوشفي كانت شيئا مفهوما. وضرب مثالا عن الكتابات التي أرخت للمرحلة بشهادة جواد مديديش في « الغرفة السوداء. »

الدكتور عبد المجيد نوسي وقف عند ميسم الصراع الذي طبع تلك المرحلة وقطبية المواجهة بين الدولة من جهة والحركة النضالية من جهة أخرى. ولاحظ المتدخل أن ذلك الصراع تجلى خاصة على المستوى الفكري وهو ما أعطى رمزية كبيرة للفعل الثقافي الذي ما زال صداه ممتدا إلى اليوم.

وفي نفس السياق تدخلت الأستاذة ماجدة بنحيون فتأسفت لكون شباب اليوم لا يعرفون الكثير عن تلك المرحلة الغنية بالأحداث والدلالات وهو ما ينبغي على الجهات المختصة والمؤرخين والباحثين تداركه بفتح قنوات التواصل مع الجيل الحالي.

وختم اللقاء بنقاش غني تم فيه الإجماع على أن مرحلة السبعينيات كانت غنية بالدروس والدلالات لهذا ينبغي قراءتها وفهم مغازيها لبناء مغرب قوي وحداثي.

فرع اتحاد كتاب المغرب بالجديدة